مفهوم "تحييد تدهورالأراضي":
حسب التعريف المعتمد من طرف مؤتمر الأطراف 12 المنعقد في أنقرة في أكتوبر 2015، "تحييد تدهور الأراضي" NDT هو "حالة تستقر أو ترتقي فيها كمية ونوعية الموارد من التربة الضرورية لدعم كل من وظائف وخدمات الأنظمة البيئية وتحسين الأمن الغذائي، وذلك ضمن حيز زمني وترابي محدد وأنظمة بيئية معينة". وبذلك، برز هدف "تحييد تدهور الأراضي" NDT كفكرة بسيطة ولكنها ثورية تمكن من ربط اغلب الأهداف الأممية بعضها ببعض، وتعطي للاتفاقية الأممية لمقاومة التصحر أرضية عملية نحو التصرف المستدام في الأراضي وفي نفس الوقت تتيح إمكانية استرجاع الأراضي المتدهورة. هذا ويكتسي هذا الهدف أيضا بعدا جديدا في مسار التنمية المستدامة والمحافظة على الموارد الطبيعية إذ أنه يتقاطع مع أهداف التنمية المستدامة ODD في ما يتعلق بمقاومة الانحباس الحراري والتأقلم مع تغير المناخ وتحقيق الأمن الغذائي والطاقي والمائي ووقف الهجرة السكانية القسرية والخلافات للنفاذ الى الموارد.
قياس تحييد تدهورالأراضي:المساروالنتائج
لقياس غاية "تحييد تدهور الأراضي" NDT، صادقت لجنة الإحصاء في الأمم المتحدة في شهر مارس 2016 على مشروع إطاري دولي خاص بمؤشرات متابعة ومراجعة التقدم الحاصل لبلوغ أهداف التنمية المستدامةعلى الصعيد العالمي.
ومن بين هذه المؤشرات، برز المؤشر 1.3.15 ومقاييسها لثلاثة كأدوات ملائمة ومتميزة لمتابعة وتقييم وانجاز التقارير حول استرجاع الأراضي والنظم البيئية المتدهورة ومقاومة التصحر وبلوغ غاية "تحييد تدهور الأراضي". وفي هذا الإطار، تم صياغة المؤشر 1.3.15 (الذي يقيس الغاية 3.15) كما يلي : هو "نسبة الأراضي التي تتدهور من جملة المساحة الجملية للأراضي". أما المقاييس الثلاثة فهي :
- استعمالات الأرض وتغيرها.
- انتاجية الأراضي.
- مخزون الكربون المثبت تحت وفوق التربة.
توظيف التربة وتغير استعمالات الأراضي. تم ضبط هذا المؤشر من خلال استخدام الجرد الوطني الغابي الذي أنجز في مناسبتين (1995 و 2010) مع الاشارة وأن هذين الجردين لم ينجزاوفقًا للمنهجية نفسها، وبالتالي يصعب التحليل المقارن للبيانات وقياس تغير استعمالات الأراضي.
ولتجاوز هذه العقبة في هذه الدراسة وضبط "الوضعية المرجعية" لسنة 2016، تم اعتماد الأرقام لكلا الجردين لسنتي 1995 و2010 مع إضافة المساحة الإضافية المتدهورة حديثا بين سنتي 2010 و2016 والمتعلقة بالغابات والشجيرات والبراري والمناطق النباتية المتناثرة ومراعي السباسب. هذا وتم تقييم المساحة المتدهورة بين 2010 و2016 على أساس المعدل السنوي العام للتدهور المسجل بين سنتي 1995 و2010، وهي فرضية مقبولة في ظل عدم توفر بيانات رسمية. ومن ناحية أخرى ومن أجل انسجام تصنيف "استعمالات الأرض" مع المرجعيات الدولية في الغرض، تم اعتماد التصنيف المعتمد من طرف الآلية العالمية (MM) وهو المتضمن للوحدات التالية :(1) غابات - (2) شجيرات وبراري ومناطق عشبية متناثرة - (2أ) مراعي - (2ب) مختلطة - (3) أراضي مزروعة - (4) مناطق رطبة ومسطحات مائية - (5) مناطق اصطناعية - (6) أراضي جرداء.
من خلال مقارنة استعمالات الأرض بين 1995 و2016 يمكن رصد تطور سلبي (تناقص) لكل من وحدة الغابات والشجيرات والبراري والمناطق العشبية المتناثرة ومراعي السباسب.
وفي المجمل، تقدر مساحات الأراضي الغابية والرعوية التي تدهورت خلال هذه الفترة 1995-2016 بـ 738600 هك، وسجل انخفاض كبير للمراعي بالسباسب بلغ 10,4٪ وللغابات بلغ 4٪ أي ما يعادل 531400 هك وقع تحويلها إلى أراضي زراعية[1].
أما بالنسبة للمناطق الاصطناعية (مباني وشبكات نقل وتوابعها ...)، فقد ارتفعت مساحتها بـ 18٪ بما يعادل 29400 هك. ولا يمكن في هذا السياق إرجاع ضياع الأراضي الفلاحية لفائدة المناطق الاصطناعية نظرا لأن هناك جزء معتبر من التوسع على أراضي سيئة غير مصنفة "أراضي فلاحية". أما بالنسبة لباقي الأراضي، فلا يوجد عنها بيانات كافية. وبالنسبة لمساحة الأراضي الجرداء، فقد ارتفعت بـ 4٪ أي ما يعادل 177200 هك تشمل أكوام الرمال التي لا توجد عنها أيضا بيانات.
* خلاصة: تحتل الأراضي المزروعة 28,5% من التراب الوطني وهو ما يطرح رهان اعتماد أنماط زراعية مستدامة. وتبين المعطيات أن هذه النسبة في تزايد وذلك على حساب الأنظمة البيئية مثل الغابات والمراعي حيث سجلت الأراضي الزراعية زيادة بحوالي نصف مليون هك خلال العشرون سنة الأخيرة (زيادة بـ 13%).
وفي الطرف المقابل، تراجعت التشكيلات الغابية والغابات الأخرى التي تحتل 6% من التراب الوطني – على التوالي بحوالي 27100 هك و504300 هك خلال نفس الفترة، أي بنسبة 4% و10%,
أما بالنسبة للأراضي الجرداء فقد ارتفعت مساحتها بـ 177200 هك خلال العشرون سنة الأخيرة (زيادة بـ 4%).
وبالمجمل، فقد بلغت مساحة الأراضي المتدهورة 738600 هك وجب استرجاعها.
- مؤشر "الإنتاجية الأراضي" : تعرَف "إنتاجية الأراضي" على أنها " القدرة الإنتاجية الأولية الصافية للمساحة، والتي تمثل الطاقة التي تثبتها النباتات خالصة دون التنفس". وينقسم منحى تطور هذا المؤشر إلى خمسة أقسام :
(1(1)انخفاض في الإنتاجية ؛ (2) علامات أولى من الانخفاض ؛ (3)مستقرة ولكنها مضطربة ؛ (4) غير مستقرة ؛ (5) زيادة الإنتاجية (شبكة التصحر في الساحل ReSaD, 2017).
وباعتبار عدم توفر بيانات لاحتساب الإنتاجية استنادًا إلى سلسلة كافية من خرائط "مؤشر الإخضرار" NDVI على امتداد مدة زمنية كافية، فقد تم احتساب هذا المؤشر بين سنتي 2003 و2009 وقع أختيارهما على أساس تقارب في مستوى الأمطار وتوزيع الأمطار (انظر التقرير الرئيسي للمرحلة الأولى).
وحددت هذه المقارنات ثلاث مناحي مختلفة لهذا التطور :
(1) منحى لانخفاض مؤشر الاخضرار NDVI يعكس انخفاضا في إنتاجية الأراضي، يخص أساسا جهة الشمال ويؤثر إلى حد أقل على وسط البلاد ومنطقة الجفارة (اللون الأزرق على الخريطة).
(2) منحى زيادة مؤشر الاخضرار NDVI ويمثل عمومًا زيادة في الإنتاجية
(المناطق الحدودية الغربية والساحل) (اللون الأحمر على الخريطة).
(3) منحى ثابت لا يتغير، ويمثل استقرارا في إنتاجية الأراضي، كما يشمل أيضا الأراضي التي تنعدم فيها الانتاجية مثل العرق الشرقي الكبير، العديد من المناطق القاحلة والجبال ... (اللون الأصفر على الخريطة). هذا ومكنت عملية دمج خريطة تغيرات مؤشر الاخضرار NDVI مع خريطة استعمالات الأرض وتغيرها لعام 2016 من تحديد مكامن الانخفاض في الإنتاجية حسب نوع استعمال الأراضي كما هو موضح بالجدول التالي:
الجدول 1: الاتجاه في الإنتاجية حسب استعمالات الأراضي
تطور الإنتاجية |
المساحة (هكتار) وفقًاللجرد الغابيفي: |
استعمالات الأراضي |
||||
انخفاض |
علامات أولى للإنخفاظ |
ثابتة |
زيادة |
2016 |
1990 |
|
31608 |
12381 |
474018 |
258665 |
665393 |
692450 |
(1) الغابات |
28242 |
11531 |
255946 |
24235 |
324181 |
354200 |
(2) الشجيرات والأراضي العشبية والمناطق قليلة النباتات ** |
778676 |
104384 |
2799791 |
14476 |
4356775 |
4861100 |
(2a) مراعي السباسب |
***** |
450000 |
(2 ب) فسيفساء |
||||
408526 |
81417 |
3320806 |
1152086 |
4654312 |
4125100 |
(3) أراضي زراعية |
***** |
780801 |
(4) الأراضي الرطبة والمسطحات المائية |
||||
19335 |
900 |
155848 |
21813 |
193094 |
163754 |
(5) المناطق الاصطناعية *** |
170866 |
110259 |
4698743 |
31490 |
4738812 |
4561595 |
(6) أرضي جرداء **** |
1437254 |
320872 |
11705152 |
1502765 |
16308945 |
15989000 |
المجموع |
المصدر: DGEQV-2019
* خلاصة، تبين خارطة تغير مؤشر الاخضرار NDVI أن أغلب أراضي البلاد (78٪) مصنفة ذات "إنتاجية مستقرة". أما الأراضي المصنفة ذات "انتاجية في تراجع" أو التي "اظهرت مؤشرات أولى على التقهقر في الانتاجية" فهي تمسح على التوالي 1247100 هك و209700 هك، أي بمجموع 1456800 هك وهو ما يمثل 13٪ من الأراضي، وهذه نسبة ليست بالهينة وهو ما يطرح أسئلة حول استدامة الانظمة البيئية والأنظمة الزراعية في ظرف يتميز بضعف حوكمة التغييرات المناخية بالبلاد..
مؤشر "مخزون الكربونالمثبت تحت التربة وفوقها"، والتي هي كمية الكربون في مختلف طبقات التربة(Redsat 2017)
نظرا لغياب معطيات حول المخزون الكربون المثبت بالأرض بالبلاد التونسية على الصعيدين الترابي والزماني (لا توجد الا بعض المعطيات المحدودة الخاصة بمنطقة معينة)، وقع اعتماد المساحة المتدهورة بين سنتي 1995 و2016 – وهي 177217 هك – كهدف لتحسين نسبة الكربون بها، وذلك على اعتبار أن الأراضي الأكثر تضررا من حيث ضعف نسبة الكربون هي تلك التي توجد بالمناطق القاحلة أين تكون الظروف المناخية الأكثر عدائية والظروف الاقتصادية الاجتماعية الأكثر هشاشة.
تحديدالأهداف الوطنية الطوعية.
كما سبق ذكره، يتطلب تحديد الغايات الطوعية الوطنية حول "تحييد تدهور الأرض"إجراء مشاورات واسعة النطاق وتشريك جميع الجهات الفاعلة على كل المستويات المركزية والجهوية والمحلية. لذلك، تكفلت الآلية العالمية بتنفيذ برنامج مساندة لفائدة الدول الأطراف لتحديد هذه الأهداف.
واعتمادا على نتائج التشخيص لوضعية الأراضي والمنظومات البيئية وعلى الوضعية المرجعية الخاصة بها، وبالرجوع الى الاستراتيجيات القطاعية الصادرة حديثا (المحافظة على المياه والتربة – الغابات والمراعي – التنوع البيولوجي – تغير المناخ ....)، وبالنظر الى الاطار الاستراتيجي العشري 2018-2030 للاتفاقية الأممية لمكافحة التصحر، واستلهاما لنتائج المشاورات المنجزة ضمن الورشات الجهوية (بالشمال والوسط والجنوب)، يمكن أن نقدم بصورة أولية الغايات الطوعية الوطنية حول "تحييد تدهور الأرض" ومقاييسها الثلاثة كما يلي :
الهدف الرئيسي:
يرمي الهدف الوطني التطوعي، ضمن أفق 2030، إلى استرجاع مجمل الأراضي المتدهورة على مساحة قدرها 2.2 مليون هكتار[1]، مع السعي الى خفض ثم وقف تدهور الأراضي المهددة بالتدهور وذلك لبلوغ هدف "تحييد تدهور الأرض" .
الأهداف الخصوصية :
يتفرع الهدف الرئيسي إلى أهداف خصوصية تتمثل فيما يلي :
- وقف عملية تحويل الغابات والأراضي العشبية والمراعي بالسباسب إلى أراضي مزروعة وذلك من خلال استرجاع 738.6 ألف هكتار، بما في ذلك الأراضي الجرداء على مساحة 177.2 ألف هكتار
- تحسين إنتاجية الغابات والشجيرات والأراضي العشبية المبعثرة والمناطق ذات الكثافة النباتية المنخفضة والمراعي بالسبا سب والأراضي الفلاحية التي تشهد أو تظهر أولى علامات تقهقر في الانتاجية على مساحة 1.45 مليون هكتار،
- تحسين نسبة الكربون المثبتعلى مساحة 177.2 ألف هكتار من خلال تقنيات مختلفة (التشجير، الزراعة المستدامة، المواد العضوية، إلخ)،
- وضع وتنفيذ خطط للتصرف المستدام للغابات التي تبلغ مساحتها 73900 هكتار،
- إنجاز وتنفيذ خطط تنمية المناطق المحمية الجديدة على مساحة 100000 هكتار،
- إعادة التشجير (بالأراضي الاشتراكية والخاصة للدولة والأراضي الخاصة وجوانب الطرق وعلى ضفاف المنشآت المائية، إلخ ...) على مساحة 292900 هكتار،
- خطط للتصرف المتكامل والمستدام للمراعي، بما في ذلك المراعي تحت النظام الغابي على مساحة 233300 هكتار،
- خطط للتصرف المشترك والمتكامل لسبا سب الحلفاء على مساحة 116600 هكتار.
وترتكز هذه الغايات الطموحة على استرجاع مساحة تعادل تلك التي شهدت تدهورا خلال الفترة المرجعية 1995-2016 مع العمل على الحد من تدهور الأراضي بالنسبة للفترة القادمة. لذلك، تم ضبط إجراءات ملائمة لبلوغ هدف"تحييد تدهور الأرض" ضمن أفق 2030 (أنظر الجدول2 التالي).
[1] تمثل الأراضي التي تغيرت استعمالاتها والأراضي التي انخفضت إنتاجيتها.